وثائق ونصوص
مقدمة:
تنوي حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية من خلال إعلان السياسة الحالية مواصلة وتعزيز عملية
اللامركزية من أجل ترقية ممارسة الديمقراطية من جهة، ودفع التنمية المحلية من جهة أخرى.
وتسعى الحكومة في نفس الوقت إلى تقريب اتخاذ القرارات من مكان تنفيذها ورفع مستوى مسؤولية
المواطنين في تسيير الشؤون المحلية عن طريق جماعات محلية تسيرها مجالس منتخبة بحرية.
كما أن السلطات الجديدة في البلاد المنبثقة عن الانتخابات الرئاسية في شهر يوليو 2009 ، تريد من الآن
فصاعدا إعطاء نفس جديد للحياة السياسية والاقتصادية للبلد. وإن الديمقراطية الحقيقية وتعزيز خيار
اللامركزية وتنفيذ مبادئ الحكم الرشيد قد أصبحت توجهات استيراتيجية وإصلاحات هيكلية تتجاوب مع
رغبة اجتماعية قوية، خاصة لدى الفئات الأشد حرمانا.
ويهدف هذا الإعلان للسياسة الوطنية في مجال اللامركزية والتنمية المحلية إلى فهم أفضل لرهان هذا
النهج المؤسسي، وذلك من خلال تأكيد الإرادة السياسية للحكومة بأن تجعل من اللامركزية خيارا
إستراتيجيا لا رجعة فيه.
تطور المسلسل:
لقد اختارت موريتانيا، منذ الاستقلال تنظيما إداريا تطبعه المركزية القوية، لكن متطلبات إدارة أراضيها
المترامية الأطراف قد حملت السلطة المركزية، على غرار معظم بلدان العالم، على إنشاء وحدات
لامركزية لضمان تقريب الخدمات من المواطنين.
وهكذا طرح دستور عام1961 في مادته53 مبدأ تقسيم الأراضي إلى البلديات، وبعد عدة محاولات،
بدأت حركة تنظيم البلديات في عام 1986مع الإنشاء التدريجي لمائتين وسبع 207 من البلديات في
المناطق الحضرية والريفية إنضافت إليها في عام 2001 بلديات نواكشوط التسع ومجموعته
الحضرية.
وبعد ما يزيد على عقدين من الزمن تبقى نتيجة اللامركزية محدودة جدا، رغم الاعتراف بأن البلديات
ساهمت في تعلم السكان للديمقراطية، من خلال تنظيم العديد من الانتخابات على المستوى المحلي.
وتشكل البلدية، التي هي مدرسة للديمقراطية، على حد سواء مكانا للتعلم والاندماج. فهي مكان للتعلم
لأن قرب وسهولة الوصول إلى المؤسسة يتيحان الفرصة للممارسة والتجربة في إطار محدود، وبالتالي،
يسمحان بامتلاك أفضل الطرق الديمقراطية، سواء في تنفيذها أوفي آثارها.
وهي مكان للتكامل، لأن البلديات تمثل أدوات ربط للحياة السياسية على المستوى الوطني، حيث تسهم
في تحديد وتنفيذ سياسة وطنية أكثر عدالة تأخذ في الاعتبار حالات محددة.
ومع ذلك، ورغم هذه المكاسب، فإن وظيفة البلديات لا تزال ناقصة بسبب عوامل متعددة تتعلق أساسا
بغياب الوسائل المالية التي يجب أن تواكب تحويل الصلاحيات وضعف قدرات أصحاب المشاريع
والإشراف على الأعمال والمرتبط بنقص شديد في المصادر البشرية المؤهلة وعدم تكوين المنتخبين
المحليين، وانعدام التأطير الفني للدولة وأعباء المحافظة الاجتماعية والسياسية، وكلها عوامل تتمثل
نتيجتها الإجمالية في ضعف اندماج البلديات في التنمية الاقتصادية للبلاد.
ولذلك، فإن هذا الإعلان لسياسة اللامركزية والتنمية المحلية يهدف إلى تأكيد وإدراج إرادة السلطات
العمومية في إطار توجه إستراتيجي من خلال الاعتراف بالدور المركزي للمجموعات الإقليمية
واللامركزية بشكل عام في عملية عصرنة وتنمية البلاد.
وترتكز التوجهات الرئيسية لهذه السياسة حول المحاور التالية:
التوجهات الإستراتيجية
تعزيز مسار اللامركزية كأساس:
سيتم تنقيح الإطار القانوني للامركزية عبر إعادة قراءة نصوصها المؤسسة وذلك أساسا في اتجاه
لتعزيز الإدارة الحرة للمجموعات الإقليمية. وفي هذا السياق، يجري حاليا وضع اللمسات الأخيرة على
مدونة التجمعات الإقليمية، وسيعرض على البرلمان في الدورات القادمة، بعد مشاورات واسعة مع
الفاعلين والشركاء.
ويجري إعداد استيراتيجية شاملة وطويلة الأمد في مجال اللامركزية والتنمية المحلية بدعم من بعض
الشركاء في التنمية. وينتظر منها، خلال الأشهر القادمة، أن تحدد وترسم أبعاد إشكالية اللامركزية
والتنمية المحلية في تناسق تام مع السياسة الحكومية العامة في مجال التنمية المؤسسية والاستصلاح
الترابي.
وبعد اكتمال هذه الإستراتيجية سيتم توزيعها على نطاق واسع لدى كافة الفاعلين والشركاء في
تنفيذها.
تشكل المصادر البشرية العامل الحاسم في إنجاح عملية إصلاح اللامركزية وفي هذا السياق، فإن
برنامجا شاملا لتكوين وتأطير المنتخبين وعمال التجمعات الإقليمية وهيئات الوصاية سيتم وضعه في
الأشهر المقبلة لتعزيز القدرات الفنية لتلك المؤسسات وتعزيز النشاط الميداني لمختلف مشاريع دعم
اللامركزية.
وفي هذا الصدد، سيتم تكثير وتوزيع أدوات وأدلة التسيير الموجودة، وسيقام بتحيين بعضها وإنجاز
أدوات جديدة وخاصة التطبيقات والبرامج المعلوماتية للتسيير في مجالات المالية والممتلكات .
سيتم إعداد نظام أساسي لعمال التجمعات الإقليمية وينتظر أن يتم إعداد نظام أساسي آخر للمنتخب
لملإ الفراغ التشريعي الحالي في هذا المجال لتعزيز وتأمين الوضع القانوني للأشخاص العاملين في
التجمعات الإقليمية.
وأخيرا، سيجري العمل على تفعيل وتعزيز هياكل الإشراف على اللامركزية ولجنتها الفنية والمديرية
العامة للتجمعات الإقليمية. وسيتم مراجعة النظام الأساسي لرابطة العمد الموريتانيين لتمكينها من
القيام بدور قيادي في تنفيذ اللامركزية.
اللامركزية والتنمية المحلية من أجل تقديم أفضل للخدمات العمومية للمواطن
يهدف هذا المحور من سياسة اللامركزية إلى ظهور الحكم الذاتي المحلي للمشاركة الفعالة للسكان
المحليين في إدارة شؤونهم بأنفسهم وخلق قيمة مضافة حقيقية من حيث رفاهية السكان.
ويتمثل هدف التنمية المحلية في تحسين ظروف معاش المواطنين من خلال تحسين نوعية الخدمات
التي تقدمها التجمعات الإقليمية، وبهذا الشرط بالذات، يمكن أن تحصل عملية اللامركزية على دعم
السكان.
ومن البديهي أن نقل صلاحيات واسعة إلى البلديات، وخاصة في مجال الخدمات العمومية المحلية، لم
يرافقه تحويل وسائل كافية تسمح للبلديات بالاضطلاع بهذه المسؤوليات الجديدة. وينطبق هذا بشكل
خاص على المرافق العمومية والخدمات الاجتماعية التي ولدت طلبا قويا بسبب توسع التحضر السريع
وغير المخطط.
لم تستطع البلديات إذن مواكبة التحولات الحضرية بسبب غياب سياسة حقيقية للتخطيط الحضري
والاستصلاح الترابي وضعف طاقة التسيير وقلة الموارد.
لذا يبدو تدخل الدولة ضروريا. وفي هذا السياق ، يجري التفكير حول تحسين الصندوق الجهوي للتنمية،
في مرحلة أولى، وحول إنشاء آلية مستديمة ومتكاملة لتمويل التنمية المحلية، تضمن تحويلا ماليا معتبرا
إلى التجمعات الإقليمية,
ومن بين الإجراءات المقررة لتعزيز التنمية المحلية، سوف تقر الحكومة وضع خطط التنمية البلدية التي
تهدف إلى تزويد كل مجموعة إقليمية ببرنامج للاستثمار المحلي يغطي فترة معينة، محددة بذلك
أولويات المجموعة وضمان جدواها وخاصة ملائمتها مع غيرها من التدخلات، على الصعيدين الوطني
والجهوي. ويتيح ذلك فرصة لتحمل البلديات على التفكير في كيفية الجمع بين نقاط قوتها وتوحيد طاقتها
للتغلب على بعض نقاط الضعف في إطار التعاون بين البلديات.
وسيحظى تنسيق السياسات القطاعية وتدخلات مختلف الشركاء الفنيين والماليين بعناية خاصة لضمان
الاتساق العام وتضافر الجهود اللازمة لتفادي الخلط والازدواجية.
تعزيز القدرات المالية للتجمعات الإقليمية من أجل استقلالية أوسع للتجمعات الإقليمية
يتمثل واحد من شروط تحقيق اللامركزية في توفر التجمعات على نسبة معينة من الموارد الذاتية،
تمكنها من تمويل خدمات تسييرها وتسمح لها بتعبئة جزء من التمويل الضروري لمباشرة العمليات
الاستثمارية.
ويستهدف التوجه المقرر إذن الاعتراف للتجمعات الإقليمية بمزيد من الاستقلالية في تسيير الضرائب
المحلية وكذا التمكين من النفاذ إلى جباية تطورية وعصرية. وتخلص توصيات جمع الدراسات والندوات
إلى أهمية مزيد من تبسيط ومواءمة وتكييف الضرائب المحلية.
وفي هذا السياق، سيتم الشروع في توظيف جميع الدراسات التي أنجزت على مدى العقد الماضي في
مجال الضرائب من أجل تحقيق إصلاح واقعي من شأنه أن يمكن التجمعات الإقليمية من التوفير على
وسائل إضافية آمنة وقابلة للاسترداد بسهولة.
توسيع المجال الإقليمي للامركزية: نحو إطار للتعاون والتنسيق والإشراف على التنمية المحلية
يتعين توسيع المجال الإقليمي للامركزية، خاصة عبر إنشاء فئة جديدة من التجمعات الإقليمية على
مستوى الولاية بحيث تشكل هذه الأخيرة إطارا مناسبا للبرمجة والتخطيط والاستصلاح الترابي.
وفي الواقع، تشكل الولاية إطارا ملائما لتنسيق أفضل للمجالات في الوسط الريفي ولتحفيز محاربة
الفقر ولتنفيذ سياسة مساعدة التشغيل والاستثمار. ويهدف كل ذلك إلى إعادة تركيز الصلاحيات البلدية
على قضايا القرب والخدمات العمومية المحلية.
وإن ولاية تتوفر على الوسائل الكافية ستمكن الدولة من حضور أفضل على المستوى الإقليمي لتلعب
دور الربط وتوجه فرص التجهيز والتنمية توجيها أكثر تخصصا.
ويستطيع المستوى اللامركزي الجديد أن يقدم لأنشطة البلديات والوزارات والهيئات العمومية والمشاريع
الترابط والتناسق اللذين تفتقر إليها. وفعلا، فإن سياسة لا مركزية محدودة على مستوى البلديات يمكن
أن تسبب إختلالات وتفككا في السياسات التنموية.
اللامركزية والحكم الرشيد: نحو تبني وتبعية المواطن
هناك اتفاق على نطاق واسع بأن اللامركزية المحصورة في الجوانب المؤسسية تبقى ناقصة. وعليه،
يكون من الضروري إشراك المواطنين في رسم وتحقيق أهداف سياسة اللامركزية. وهكذا، فإن عملية
اللامركزية التي تطمح إليها جميع الدول الحديثة يجب أن تتضمن جوانب حياة المجتمع مثل الحوار
والمشاركة الموجودين والتي من المهم الاعتراف بها وتثمينها والتوفيق بينها وبين قنوات الديمقراطية
الحديثة.
كما ينبغي أن تصحب اللامركزية بإستراتيجية للاتصال تستهدف المواطنين على وجه الخصوص، من
أجل دفعهم إلى المساهمة في تنفيذ واستدامة مشاريع البلدية. وتشكل الشفافية في مجال التسيير
عامل من عوامل الديمقراطية والفعالية والتبني.
ويكتسي تشجيع الحركات الجمعوية أهمية كبيرة لأنها توفر دعما قويا للعمل البلدي، وإن مجتمعا مدنيا
نشطا يسمح بترسيخ اللامركزية بشكل أفضل.
وفي إطار تنفيذ مدونة التجمعات الإقليمية، سيتم تعميق محاور أخرى من سياسة اللامركزية، تستهدف
على وجه الخصوص:
– تشجيع الاستقلالية المحلية من خلال إعادة تعريف وظيفة الوصاية التي يجب أن تتطور بسرعة
إلى وظيفة دعم التنمية وتقديم الاستشارات لها ؛
– تعزيز التأطير الفني المقرب للبلديات ووسائل عملها ؛
– تطوير الاتفاقات المشتركة بين البلديات من خلال الاتفاقات أو التجمعات بين البلديات ؛
– سياسة محاربة الفقر باعتبارها المعيار الرئيسي للسياسات الاقتصادية الكلية والسياسات
القطاعية وباقي السياسات العمومية التنموية الأخرى في البلاد ؛
– الحاجة الواضحة والمؤكدة إلى إدارة التنمية بدلا من إدارة التمثيل والقيادة ؛
– الدعم من أجل نجاح ديمقراطية تشاركية يتم إنشاء مراجعها حول الحكم الرشيد والشفافية
والدور المتنامي للمقاربة التشاركية من أجل توجيه جهود مختلف الطاقات المتضافرة لتعكس
المصالح والديناميكيات الاجتماعية ؛
– تعزيز وتحديد صلاحيات البلديات من خلال التحويلات المالية وإدارة المشاريع وتكوين وتعبئة
الموارد المحلية ؛
– تنمية المصادر البشرية من خلال إدماج حملة الشهادات الشباب الذين سيكون بمثابة إطار لدعم
تنمية التجمعات الإقليمية ؛
– تطوير المرافق العمومية المحلية.
تلك هي توجهات السياسة الوطنية في مجال اللامركزية والتنمية المحلية.
إن هذه المحاور الرئيسية تجسد مسبقا الإستراتيجية المستقبلية للامركزية والتنمية المحلية التي
تنوي الحكومة تنفيذها في المستقبل القريب. وفي الوقت نفسه، سيتم توظيف ونشر الممارسات
الجيدة في مختلف المحاور وكذا وضع وتنفيذ نظام لمتابعة وتقييم تنفيذ اللامركزية والتنمية المحلية،
لتكون بمثابة أداة مشتركة للإشراف على العملية ولقياس آثارها وانعكاساتها.